أكد معالي فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد رئيس محكمة الاستئناف بالرياض وعضو المجلس الأعلى للقضاء أن تطوير وتحديث منظومة القضاء هو تطوير للأنظمة الإجرائية فقط أما ما يتعلق بالموضوع فهو من الثوابت الراسخة التي لم تتغير ولن تتغير بإذن الله لأنها تتصل بالتشريع والأحكام المستمدة من الكتاب والسنة المطهرة.
وأوضح أن القضاء ركن من أركان الدولة، وجزء من مقومات المجتمع ودعامة أساسية من أهم دعائم التنمية والأمن والاستقرار، يقع على مسئوليته حفظ النفوس، والأرواح والأبدان والأموال والأعراض والحقوق، وحماية الضعيف والاقتصاص للمظلوم، والأخذ على يد الظالم مهما علت منزلته وتحقيق العدالة الناجزة.
جاء ذلك في لقاء مفتوح نظمته غرفة الأحساء مؤخراً، تحت عنوان (اضاءات على الأنظمة القضائية الجديدة وحركة التطور والتحديث في القطاع العدلي)، وذلك بقاعة الشيخ سليمان الحماد بمقر الغرفة، بحضور نخبة من العلماء والمشايخ والقضاة وكتاب العدل وبعض أعضاء مجلس إدارة الغرفة ورجال الأعمال والإعلاميين وطلاب العلم.
وفي بداية اللقاء الذي استهل بآيات من الذكر الحكيم، رحّب الأستاذ صالح العفالق رئيس مجلس إدارة الغرفة بفضيلة الشيخ مؤكداً أن تشريفه وحضوره لإلقاء المحاضرة هو تشريف واضافة كبيرة للغرفة والأحساء، مثمناً دور لجنة المحامين بالغرفة ممثلة في رئيسها وأعضائها الكرام لما تقوم به من مبادرات وأدوار كبيرة للالتقاء بمشايخنا من العلماء الأفاضل ورجالات العلم والفكر والقضاء ببلادنا الغالية.
وأشار إلى إن اللقاء يأتي ضمن خطط وجهود الغرفة لتعزيز قنوات التواصل مع أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ والقضاة، بما يسهم في نشر المعرفة والتوعية بجهود تحديث وتطوير القطاع العدلي وأنظمة القضاء، كونها تمثل خطوة كبيرة في سبيل تحقيق العدالة وتوفير أفضل آليات التقاضي وحفظ مصالح الأطراف وسرعة الفصل في المنازعات والقضايا وتحسّين البيئة التجارية والاستثمارية ما ينعكس إيجابياً على حياة المجتمع أمنا ورخاء واستقرار.
من جهته، أستعرض الدكتور يوسف الجبر رئيس لجنة المحامين بالغرفة الذي أدار اللقاء سيرة ومسيرة فضيلة الشيخ الحميد، مبيناً أنه رجل علم ومعرفة وعلم من أعلام الفقه والقضاء، له تجربة طويلة وعميقة في القضاء وصفحات مشرقة في الانجاز العدلي جديرة بالدراسة والتأمل، فضلاً عن كونه يمتاز برحابة الفكر واستقامة الدين، وسعة الأفق والتيسير، والرفق والتواضع، سائلاً الله أن ينفع به وأن نستفيد من خلقه وعلمه.
وكان معالي الشيخ الحميّد قد بدأ محاضرته باستعراض تاريخ القضاء في المملكة وتتبع مراحل تطوره منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن أسكنه الله فسيح جناته، متناولاً عدة أوامر سامية كريمة لتطويره ليواكب نمو وتطور المملكة واتساع نشاطاتها وتشعب مجالات الحياة فيها، مؤكداً أن مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء يعد قفزة نحو التقدم والرقي في مجال القضاء وتحديث أنظمته.
وأكد الحميّد أن القضاء يُعد عند الأمم رمزاً لسيادتها واستقلالها، وأن الأمة التي لا قضاء فيها لا حق ولا عدل فيها، وتاريخ القضاء في كل أمة هو عنوان مجدها، مشيراً إلى اهتمام بلادنا المباركة بأمر القضاء، حيث أولته جل عنايتها ورعايتها منذ أن وحّد الله كيانها على يد الملك المؤسس الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ غفر الله له وأجزل مثوبته ـ إلى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله لكل خير ـ ولا تزال، بإذن الله راعية للقضاء حتى أصبح رمزاً لسيادتها وعنواناً لمجدها وعزها بحمد الله ومنته.
وقال إن إقرار أنظمة المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية والمرافعات أمام ديوان المظالم مؤخراً، سيسهم في تكملة منظومة التطوير والتحديث القضائي في المملكة، ويدعم مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، كونها أرست مبدأ التخصص النوعي للمحاكم (وهي: المحاكم العامة والمحاكم الجزائية ومحاكم الأحوال الشخصية والمحاكم العمالية والمحاكم التجارية)، وبينّت إجراءات التقاضي أمامها لتباشر أعمالها وفقاً لما تضمنته آلية العمل التنفيذية لنظامي القضاء وديوان المظالم وهو ما سينعكس إيجاباً على سرعة البت في الدعاوى.
وأوضح أن مطلع عام 1436هـ، سيشهد انطلاقة محاكم الاستئناف وفق صيغتها الإجرائية الجديدة، والتوسع في إنشاء المحاكم المتخصصة التي يُعَوَّل عليها في تسريع إجراءات التقاضي من خلال التخصص النوعي في نظر القضايا، مبيناً أن تلك الخطوة ستحدث نقلة كبيرة في مسيرة تطوير القضاء وتلبية متطلبات البيئة العدلية، خاصة وأننا كان يعاب علينا التوسع في عمل اللجان القضائية.
ونوه معاليه إلى إن صدور نظام قضاء التنفيذ الذي يُعد جزءً أصيلاً من القضاء ومرحلة هامة من مراحله، سيحدث نقله نوعية كبيرة في تطوير مرفق القضاء السعودي، خاصة بعد استكمال منظومته الفنية والإدارية والتنفيذية التي ستدعم بأربعة الاف وظيفة جديدة، فهو يصون العدالة ويحققها ويجعل للأحكام قوة ويضع الضمانات الكفيلة بسرعة اقتضاء الحقوق من المدينين بها جبرا عنهم، ما يسهم في إنهاء كثير من القضايا التي كان يطول النظر في موضوعها قبل الفصل فيها، ويخفف العبء على المحاكم.
وبيّن إن العدالة تتطلب حكماً عادلاً ناجزاً وتنفيذاً سريعاً يباشره القضاء، وهذا يترجم مفهوم تحقيق الخدمة العدلية المتكاملة، مشيراً إلى أن وزارة العدل قامت بإسناد قضاء التنفيذ بالخدمات الإلكترونية وتوفير المتطلبات الإدارية المساعدة، مؤكداً أن حرص المملكة على هذا الأمر ينطلق من حرصها على احترام الأحكام القضائية وسرعة تنفيذها والقضاء على كافة أشكال المماطلة والتأخير بتوفير كافة الضمانات التي من شأنها القضاء على أي سلبية قد تطال سرعة تنفيذ الأحكام القضائية.
وتحدث الحميّد عن استقلال القضاء في أحكامه، وعدم التأثير عليه من أي جهة، وأن نظام القضاء تضمن إيجاد ضمانات هذا الاستقلال، منها عدم قابلية القضاة للعزل إلا في الحدود المبينة في نظام القضاء، وعدم جواز نقلهم إلى وظائف أخرى إلا برضاهم أو بسبب ترقيتهم، وعدم جواز مخاصمة القضاة بسبب أعمال وظيفتهم إلا وفق شروط وقواعد نظام القضاء، مؤكداً توفر كافة ضمانات العدالة وكفالة حق التقاضي للجميع.
واستعرض بعض الأرقام والاحصاءات التي تناولت حجم التطور الكبير في عمل وانتاجية وأداء المحاكم ومرافق القضاء المختلفة، وخطط التدريب القضائي التي تشمل كافة العاملين بمن فيهم أصحاب الفضيلة القضاة، مبيناً أن هناك نسبة ليست بالقليلة من أفراد المجتمع لا تحيط بهذه النقلة الحضارية النوعية الكبيرة التي يشهدها الجهاز القضائي والعدلي.
وحول القضاء والإعلام، أكد الشيخ أن الإعلام أحد مصادر الحقيقة التي يبحث عنها الجميع، وأنه يقوم بدور رقابي مهم، ولا يخاف من كلمته الصادقة إلا المسيء، إلا إن مبدأ العدالة العام يفرض عدم تدخل الإعلام في عمل القضاء وأحكامه أو التأثير على مجريات التقاضي واجراءات سير الدعاوي بل يجب محاسبة أي إعلام يتجاوز الحدود المسموح بها.
وعن البَدائل الجزائية، قال الحميد إن القضاءَ السُّعودي يحتفي كثيراً بالعُقوباتِ البديلة؛ إيماناً منه بأن المقصود ليس مجرد إيذاء المدان أو تقييد حريته، بعيداً عن إصلاحه، وإعادة تأهيله ما أمكن ذلك، موضحا أنه قد صدرتْ عدّةُ أحكام جَزائية بها، تحملُ في طيَّاتها مضامين إصلاحية، وذلك فيما يمكنُ الحكم فيه بهذه البدائل حسب كل واقعة، مشيرا إلى أن أكثر الأحكام البديلة تتركز على إلزام المدان في جرائم جزائية بتقديم خدمات اجتماعية وخدمات عامة.
وفي نهاية اللقاء، تداخل عدد من الحاضرين بمجموعة من الأسئلة والاستفسارات، ثم جرى تكريم معالي فضيلة الشيخ من قبل غرفة الأحساء بتقديم درع تذكاري.
يُشار إلى إن هذا اللقاء يأتي ضمن سلسلة الفعاليات واللقاءات العامة التي تنظمها غرفة الأحساء في إطار خططها الهادفة إلى تعزيز وتفعيل الحراك العلمي والمعرفي والتنموي ونشر الوعي والمعرفة وتعزيز دور الجوانب الشرعية في خدمة المجتمع والمنطقة.